الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

التصور الحقيقي لمسار التصوف التاريخي

رأينا كيف عاش التصوف حياته كلها في العصور المختلفة يسير مع العمل في مسار واحد هو الاخذ بكتاب الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على سنته امتثالا لأمر الله ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ ، غير أن بعض رجاله وبخاصة في القرون الخامس والسادس والسابع الهجرية نظروا في الأذواق والمواجيد التي تحدث لهم في سلوكهم، وما يتجلى عليهم به الحق من مكاشفات ومشاهدات، وأرادوا ايصال ذلك الى الناس من حولهم ليذوقوا مذاقهم ويشربوا من شرابهم، فبدأوا يكتبون ما يشاهدون ويضعونه في قوالب كلامية.

ومن هنا ظهرت مشكلة تتمثل في عدم استطاعة اللفظ الوفاء بالمعنى المراد منه، فالتبس ما كتبوه على كثير من قرائهم وبدل أن يبحث هؤلاء القراء عن حقيقة تلك الكتابات ومصادرها من الكتاب والسنة ، شرعوا يلتمسون أوجه الشبه بين التصوف وبين غيره من الثقافات الأخرى التي اتصل بها الاسلام بعد أن انتشر بكل مقوماته وغطت حياته الروحية - التي عرفت فيما بعد باسم التصوف - الآفاق ، ولقد غاب عن كثير من الدارسين ومؤرخي التصوف الفرق بين من يتحدث عن الشيء لأنه بالنسبة له واقع مشاهد يقره العقل ويؤيده الوحى فلا يضل صاحبه ولا يحار وبين من يتحدث عن تخيل عقلي قد يصيب وقد يخطىء ، فالحق الذي لا مرية فيه أن التصوف لم تختلف عناصره المكونة له من عصر الى عصر وان اختلفت كتابات رجاله .

ولقد كان ما كتبه السالكون والسائرون الأول الى الله تعالى من أمثال الجنيد والترمذى والمحاسبي والخراز انفع لسالكي طريق الله تعالى فهذه الكتابات تدل على المنهج العملى من الكتب التي ظهرت فيما بعد ، وان كانت الأخيرة قد أخصبت المكتبة الصوفية من الناحية النظرية فوسعت المجال أمام الباحثين يصولون فيه ويجولون ويقولون ما طاب لهم من القول وما حلالهم من الكلام . وبقى التصوف الاسلامي الذي يقوم على العمل أولا وأخيرا سليما لايمسه أحد ، ولا ينال منه انسان .

والصوفي في حياته لا يمكن أن يتأثر بأي شيء غير كتاب الله وسنة رسوله، فمن المسلم به عقلا أن كل غاية لابد لها من وسيلة تناسبها حتى تحققها ، فاذا كان ينشد رضا الله وهو غايته ، فلابد من وسيلة مناسبة لهذه الغاية تحققها ، وتجعلها أمرا واقعا ولا يجد الصوفى طريقا له الا ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل به هذا الرسول الذي ينظر اليه الصوفى على أنه مثله الأعلى الذي يقتدى به حتى يحقق طلبه وغايته.

مقالات ذات صلة مفيدة