الخميس، 28 نوفمبر 2024

الولاية الصغرى والصغري والعليا في المراقبة

الولاية الصغرى وسيرها وفناء اللطائف

وأما الولاية الصغرى وهي عبارة عن سير تجليات الأفعال الإلهية، وسير ظلال الأسماء والصفات مبدأ لتعيينات جميع الممكنات: سوى الأنبياء والملائكة عليهم السلام؛ وإن كل فرد من أفراد العالم يصل إليه الفيوضات يتوسط الصفات والظلال، التي هي وسائط بين الخلوقات وذات حضرة الحق، ولو لم تكن هذه الأسماء والصفات لما وجد العالم الذي كان علماً محضاً، لأن الحضرة الموصوفة بالاستغناء ليس لها مناسبة بالعالم. إن الله لغني عن العالمين، فكل شخص من أفراد العالم يصل إليه فيوض وكمالات بواسطة يقولون لها: مبدأ تعيين هذا الشخص وحقيقته. ويسمونه أيضاً: العين الثابتة.

وما قالته الصوفية من أن الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق إشارة إلى هذه الظلال، وإذا دخلت هذه اللطيفة في دائرة الولاية الصغرى تفنى وتستهلك في أصل أصله وحقيقته، وتبقى بحقيقته هذه.

  1. ففناء لطيفة القلب يصير في التجلي الفعلي، وفي هذا الوقت تختفي عن نظر السالك أفعاله وأفعال جميع المخلوقات، ولا يرى في نظره غير الفعل الفاعل الحقيقى، ويسمون ولاية هذه اللطيفة: ولاية آدم عليه السلام، ويقولون للسالك الواصل إلى مقصوده من طريق هذه الولاية: آدميّ المشرب.
  2. لما كان وجود الأصل أصلا لجميع الصفات، ينفي السالك وجوده ووجود الممكنات ويثبته الله تعالى وحده، فلا جرم بالتوحيد الوجودي. ويقولون للولاية هذه ولاية نوح وإبراهيم عليهما السلام. ويقولون للسالك الواصل من هذه الولاية: إبراهيمي المشرب.وفناء لطيفة الروح يصير في الصفات الثبوتية لحضرة الحق سبحانه، وفي هذا الوقت يرى السالك صفاته وصفات جميع المخلوقات مسلوبة عنه، ويرى كلها منسوبة إلى الله تعالى
  3. وفناء لطيفة السر يصير في شؤون ذات الله تعالى، وفي هذا المقام يجد السالك ذاته مضمحلة في ذات الحق سبحانه. يقولون لولاية هذه اللطيفة ولاية موسى عليه السلام، والسالك الواصل هذه في هذه الولاية: موسوي المشرب.
  4. وفناء لطيفة الخفي يصير في صفات السلبية له تعالى، وفي هذا المقام يفرد السالك خباب كبريائه تعالى عن جميع المظاهر. ويقولون لولاية هذه اللطيفة: [ولاية عيسى عليه السلام، والسالك الواصل من هذه الولاية: عيسوي المشرب.
  5. وفناء لطيفة الأخفى يصير في مرتبة الشأن الإلهي الجامع لهذه المراتب كلها، وفي هذه المقام يصير السالك متخلقاً بأخلاق إلهية

إعلم أن ولاية هذه اللطائف كلها تكون في ولاية الدائرة الصغرى. واعلم أنهم كما يأمرون في دائرة الإمكان بمراقبة الأحدية، كذلك يأمرون في ولاية الصغرى بمراقبة المعيّة التي هي مفهومه، ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ (الآية). وتام سير دائرة الإمكان يعرفه السالك، إن كان له كشف أو يخيره الشيخ إن كان صاحب كشف، وإن لم يكن لهما كشف فينبغي أن يلاحظ السالك جميعه قلبه؛ فإن بلغ انتقاء الخواطر.

أوقاتها إلى أربع ساعات كاملات (فج) يشرع في المراقبة المعية بأن يلاحظ معيته تعالى به وبجميع لطائفه وعناصره، بل بكل ذرّة من ذرّات الممكنات، حتى تدرك معيته تعالى إلى المثلية بالإدراك اللامثلي، وتحيط بالجهات الست، ويضمحل التوجه والحضور الذي كان قد ظهر ففي ذلك الوقت يشرع في سير الولاية الكبرى.

الولاية الكبرى وسيرها والمراقبات

وأما الولاية الكبرى وهي عبارة سير دائرة الأسماء والصفات وشؤونات الذات له تعالى

فاعلم أنه لما ورد على السالك أسرار التوحيد الوجودي وسير المعيّة، كان يرى في وجدانه نوراً من العرش المجيد، بل فوقه إلى الثرى، محيطاً به ويكل ذرّة في الممكنات، ولون ذلك النور لكونه لا لونياً كان مناسباً للسواد، وكان مصداق، كان الله في عماء. وقد رأى أنه طلع مثل الشمس من المطلع وانمحى ذلك النور الأسود الذي كان يظنه ذات الله تعالى: ولم يبق له آثر. ورأى أنه عاد وجود الممكنات، الذي كان يوجد مضمحلا في ذلك النور الأسود إلى الظهور، كوجود النجوم في شعشعان نور الشمس.

ولكن لعدم كون حدة البصر في السير القلبي بقدر يقدر على التمييز بين وجود الممكن والواجب، كان يقال بالاتحاد

ولما وهبوا له من عنايتهم حدة النظر في سير ولاية الكبرى التي هي ولاية الأنبياء ومقام الصحو والانتباه رأى أن لوجود الممكنات ثبوتاً واستقراراً البتة.

ولكن يوجد لوجود الأشياء ظلياً أثراً من الوجود الإلهي. وقع على الاعدام وجعلها موجودة، أو كذلك يشاهد بأن صفات الممكنات صفاته تعالى، لا عينها وهذا هو معنى التوحيد الشهودي الذي يشاهد في لطيفة النفس ومن هنا يوجد معنى أقربيته تعالى.

الفرق بين المعية والأقربية:

فغاية المعية هي الإتحاد وكتمان الأثينية: وإن كان وجود الممكن مشهوداً ولكنه مُستفاد من حضرة الحق لا من ذات الممكن، وحقيقته عدم لا يمكن الإشارة إليه أصلا.

فاعلم من هذا التحقيق أن وجود الأصل بالنسبة إلى وجود الظل أقرب إلى الظل؛ فإن ما ظهر من الأصل لا من النفس فإنه إذا نظر إلى وجوده يجده أثراً من الأصل. وإذا نظر إلى صفته يراها أثراً من صفات الأصل، فلا جرم يعترف بأقربية الأصل، كيف والقرب الذي ظهر الظل مع ذاته هو من وجود الأصل، فجاء الأصل أقرب إلى الظل من وجوده.

وبيان الأقربية لا يسعه التقرير. إذ أن العقل عاجز عن إدراك الأقرب إليه من ذاته، فإن هذه المعاملة وراء العقل وموقوفة على الإنكشاف.

واعلم أن دائرة الولاية الكبرى متضمنة الدوائر ثلاثة وقوس.

يفي أن نصف الدائرة الأولى من الدوائر الثلاثة للولاية الكبرى ينكشف فيه سر الأقربية والتوحيد الشهودي.

والنصف السافل لهذه الدائرة للأسماء والصفات الزائدتين.

والنصف العالي مشتمل على الشؤونات الذاتية.

وإلى الدائرة يكون للطائف الخمسة الأمرية العروج.

ومورد فيض هذه الدائرة لطيفة النفس مع شراكة اللطائف المذكورة: ويتخيلون في هذه الدائرة الأقربية: يعني مفهوم الآية ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾. وإذا تيسر العروج من دائرة الأقربية يقع السير في دائرة الأصل، ومنها يترقى إلى دائرة الأصل الأصل.

ومنها إلى الأصل الثالث الذي هو عبارة عن القوس.

وفي هاتين الدائرتين وفي النصف يحصل كمال الاستهلاك والاضمحلال. وفي هذه الدائرة حقيقة الفناء.

وفي الولاية السابقة صورة الفناء.

ويعلمون في هاتين الدائرتين وفي النصف مراقبة المحبة: يعنى مفهوم الآية ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾. ومورد الفيض فيها لطيفة النفس.

اعلم أن طريق المراقبة في هذه الدوائر أن يتخيل السالك ذاته في داخل تلك الدائرة ويلاحظ بأن فيض المحبة من دائرة أصل الأسماء والصفات يرد على لطيفة، أنائيتي. وكذلك في دائرة أصل الأصل، فإن فيض المحبة منها يرد على لطيفة أنائيته. وكذلك في القوس الذي هو الأصل الثالث: بأن فيض المحبة منه يرد على لطيفة أنائيته ‏.

وفي هذه الدوائر يفيد التوحيد بتهليل اللسان مع ملا حظة المعنى. وعلامة قطع بعض الدائرة. وتمامها هي أن الدائرة تتكشف للسالك كقرص الشمس، وكلما قطع من الدائرة شيء فعلى قدره يكون لها الظهور بالنورانية بكمال الشعشعان ومقدارها الذي لم يقطع بعلم فإنه يُرى بلا نور كالشمس في وقت الكسوف.

وعلامة تمام دائرة الولاية الكبرى: إن معاملة فيض الباطن التي كانت تتعلق بالدماغ هي تتعلق بالصدر (وح). يحصل شرح الصدر وسعة الصدر بقدر خارج عن البيان وسعة الصدر في السير القلبي خارج عنه.

رأيت في قلبي سموات متعددة وشاهدت فيه قلوياً كثيرة، ولكن كانت هذه الوسعة في القلب فقط.

وأما وسعة الصدر التي تحصل في الولاية الكبرى فتكون شاملة لتمام الصدر عموما، وتكون في محل لطيفة الأخفى خصوصاً، وعلامة شرح الصدر بطريق الوجدان هي أن يرتفع الاعتراض على أحكام القضاء وفي هذا المقام يصير مطمئنة ويحصل لها الارتقاء على مقام الرضاع. ويكون راضية على القضاء في جميع الأحوال والأفعال.

الولاية العليا وسير إسم الظاهر والباطن

وأما الولاية العليا فاعلم أنه لما كان سوى الأنبياء والملائكة مبادئ التعينات وهي ظلال الأسماء والصفات. وقد سمّوا سير هذه المرتبة بالولاية الصغرى

وللأنبياء الكرام مبادئ التعيينات، وهي الأسماء والصفات والشؤونات وقد سمّوا سير هذه المرتبة بالولاية الكبرى.

كذلك للملائكة العظام مبادئ التعيينات المسماة بالولاية العليا وسير العناصر سوى العنصر الترابي.

ولما تفضّل وتعطش الشيخ على السالك بالتوجه في دائرة الولاية الكبرى. فاضت عليه أحوال كل دائرة، وكيفياتها.

وإذا تفضّل أيضاً بتوجيه لأجل شرح الصدر رأى أن معاملة الدماغ تعلق بالصدر، ووجد وسعة وأدركت لعناصره الجذبات الإلهية: ووقع لها العروج، وورد عليها أحوال اللطيفة اللونية، وتيسر فنأها الذي في الذات المسماة الباطن. وحصل لها الاضمحلال، وتيسر لها بقأها بتلك المرتبة المتعالية، وحصلت المناسبة بالملائكة الكرام.

واعلم أن سير الولاية الكبرى كان في الإسم الظاهر، وسير الولاية العلياء كان في الإسم الباطن.

لأن سير إسم الظاهر يرد فيه التجليات الصفاتية من غير ملاحظة الذات

وأما سير إسم الباطن فإنه وإن كان يرد فيه أيضاً تجليات الأسماء والصفات، ولكنه أحياناً يشاهد فيه الذات.

وقد كشفت الصورة المثالية الحضرة زائدة فرأى أنها ظهرت ولكن قد أحاطت بها الأسماء والصفات لحضرة الحق:

أما الخطوط الشعاعية للشمس: وقد يشاهد من غير الخطوط ولكنها تظهر وهي في كمال اللالونية. وتعود الخطوط الشماعية إلى الإستيتار.

واعلم أن الولاية العلياء كاللب، والولاية الكبرى كالقشر، بل إن كل دائرة هي تحتانية بالنسبة إلى دائرة فوقانية.

بهذه المناسبة الاكمالات النبوة فإنها بالسبة إلى الولاية لا تتصور فيها تللك المناسبة.

ويعلّمون هذه الدائرة: مراقبة الذات وهو الباطن: ومورد الفيض في هذه الولاية العناصر الثلاثة: سوى العنصر الترابي، والتهليل اللساني وصلاة التطوع مع طول القيام، يفيد الترقي في هذا المقام.

ولا يحسن ارتكاب الرخصة الشرعية بل إن العمل بالعزيمة يفيد الترقي فيه. وسر ذلك أن العمل بالرخصة يجذب الإنسان إلى طرف البشرية.

والعمل بالعزيمة يظهر المناسبة بالملكية. فكلما ازدادت المناسبة بالملكية تيسر سرعة الترقي في هذه الولاية.

وأما الأسرار التي تحصل في هذه الولاية فإنها ليست كالتوحيد الوجودي والشهودي، حتى يأتي شيء منها بالبيات.

فالأسرار في هذه الولاية البق بالاستتار وليست بقابلة للكشف والإظهار بوجه من وجوه القول.

مقالات ذات صلة مفيدة