العبودية الصرف وسير القدمي
وبعمد هذا توجه الشيخ في المرتبة المقدسة المعبودية الصرف، وههنا لا يبقى للقدم مجال وقد تم سير القدمي الذي كان في المقامات العابدية، لكن من عناية الله تعالى أنهم ما أوقفوا النظر، فيكون هنا السير النظري.
ولما توجه المرشد إليه في هذا المقام رأى في المعاملة نفسه في مقام عال نوراني جداً لا لوني. وكلما أراد في ذلك المقام لم يتيسر ذلك فعلم (ح) أن ذلك مقام العبودية الصرف التي لا مجال للقدم هناك: لا للنظر الذي يسير حيث شاء وههنا ينكشف معنى الكلمة الطيبة:
لا معبود إلا الله
ويظهر بالايستحق العبادة الحقيقية بأي نوع كانت غير حضرة الأحدية المجردة. واعلم أنه انتهى سير الحقائق الإلهية هنا.
حقائق الأنبياء ودائرة الخلة
وأما حقائق الأنبياء عليهم السلام فهي عبارة عن الحقيقة الإبراهيمية والحقائق الموسوية والحقائق المحمدية والحقائق الأحمدية
فاعلم أنه كما أن الترقي في الحقائق الإلهية موقوفة على التفضل: كذلك الترقي في حقائق الأنبياء عليهم السلام موقوفة على الحبة.
ولما توجه المرشد في الحقائق الإبراهيمية إلى مراقبة ذاته التي هي منشأ الحقيقة الإبراهيمية فاض عليه ببركة التوجه والكيفية العظيمة والأسرار الفخيمة.
وبعد ورود الأنور عليه من هذا المقام الذي هو عبارة عن خلة حضرة الحق يظهر أنس خاص وخلوة ذات اختصاص مع حضرة الذات.
وقد فهم أن هذه المعاملة والكيفية التي تحصل في هذا المقام لا تظهر في سائر المقامات العالية حتى من قسم الفضل الجزئي.
فإن في هذا المقام تظهر المحبوبية الصفاتية.
وفي الحقيقة الحمدية والأحمدية تظهر المحبوبية الذاتية
المحبوبية الذاتية الصرف
ومعنى هذا أن الذات المتعالي كما يحب ذاته يحب صفاته. فالأول يقال له الحقيقة المحمدية والأحمدية. والثاني نشأ له إسم الخلة وإن كان هو الحقيقة الإبراهيمية.
وفي هذا المقام يحصل للسالك أنس مع الذات حتى لا يتوجه إلى غير حضرة الذات ولو بالأسماء والصفات، ولا إلى مزارات المشايخ.
ولا يطيب له الاستمداد والاستعانة من غيره تعالى ولو أرواحاً وملائكة. وههنا تكرار الصلاة الإبراهيمية مفيد للترقي.
المحبوبية الذاتية الصرف
بعد هذا يتوجه المرشد في دائرة المحبية الذاتية الصرف، وأمره هنا بمراقبة ذات هي منشأ الحقيقة الموسوية والحبية الذاتية للذات.
فورد عليه كيفية هذا المقام بالقوة التامة وظهر محبيته ذاته تعالى لذاته.
والحقيقة الموسوية عبارة عن تللك الحبية.
وأما ما ذهب إليه بعض الأكابر من إثيات المحبوبية لموسى عليه السلام. فإن كان مراده بذلك أنه عليه السلام محبوب للحضرة سلمنا، فإن مرتبة النبوة والرسالة وأولي العزم لا تحصل بدون المحبوبية. وإن الأنبياء الكرام كلهم محبوبون ومرادون الحضرة الحق. وطريقهم طريق الأحباب.
هذا الكلام ليس مناف لطلبنا وإن كان مراده بذلك أن الحقيقة الموسوية عبارة عن المحبوبية الذاتية في الحقيقة الأحمدية.
فذلك محل تأمل، وقد يحصل كيفية في هذا المقام حتى جرى من لسانه من غير اختيار: رب أرني، أنظر إليك. وهو خصوص هذا المقام.
والعجب أن هذا المقام مع ظهور المحبية الذاتية فيه يظهر هنا شأن الاستغناء والدلال. وهذا من اجتماع الضدّين.
من هنا يعلم سر ما صدر في بعض المواضع من حضرة الكليم عليه السلام من بعض كلمات يفهم الدلال مثل: إن هي ألا فتنتك: وأخاف أن يقتلون، وهنا يفيد الترقي أيضاً هذه الصلاة وهي:
اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين خصوصا على كليمك موسى (عم)
دائرة المحبة الممتزجة بالمحبوبية
وبعد هذا يتوجه المرشد إليه في حقيقة الحقائق التي هي عبارة عن المحمدية الحقيقية (عم)، وأمره هنا بمراقبة ذات محب ذاته، ومحبوب ذاته منشأ الحقيقة المحمدية، فظهرت له المحبة الممتزجة مع المحبوبية، واجتماع هاتين النشأتين لها كيفية لا يستقيم بيانها بالتحرير.
وحصل له فناء وبقاء في هذه المرتبة المقدسة وتيسر له فيها إتحاد خاص بالنيي عليه السلام، وأوصله بتبعيته صلعم إلى مرتبة، وكشف له في البين عن أسرار إظهارهما (موجب الألفاظ الفتنة.
وههنا يظهر معنى ما قال بعض الأكابر من ارتفاع التوسطة، وشوهد أنه وقع لهذا الشخص مع ذلك الخباب (صلعم) معاملة المعية من العتاب والتوسد بحبيب وأحد، ومع ذلك كله يحصل له مع حبيب الله محبة خاصة يتضح منها سر ما قال إمام الطريقة -حضرة المجددي أحبه الله تعالى لأنه رب محمد (صلعم).
وههنا تطيب المشابهة والمناسبة بحبيب الله (صلعم) في جميع الأمور جزئية وكلّية، دنيوية ودينية، خصوصاً العمل بالكتاب والسنة: والقوة ففيهما فتبصّر.
دائرة المحبوبية الصرف وسيرها
وبعد هذا يتوجه المرشد إليه في الحقيقة الأحمدية، وأمره هنا بمراقبة ذات هو محبوب ذاته ومنشأ الحقيقة.
وههنا يظهر علو النسبة مع شعشعات الأنوار، ويبدو في البين أسرار، وفي هذا المقام تنكشف المحبوبية الذاتية كما كان في الخلة انكشاف المحبوبية الصفاتية.
ومعنى المحبوبية الذاتية أن في ذات المحبوب مع قطع النظر عن صفاته الجميلة التي هي عبارة عن مثل الخط والخال، وهما من موجبات المحبة، ويكون الشيء موجباً للتعشق.
وههنا تفيد هذه الصلاة الترقي، وهي: اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه. أفضل صلواتك بعدد معلوماتك، وبارك وسلم كذلك.
دائرة الحب الصرف والتوجه وسيرها
وبعد هذا يتوجه المرشد إليه في الحب الصرف الذاتي، وأمره ههنا بمراقبة الحب الصرف الذاتي.
ويظهر ههنا كمال العلو واللالونية، ونسبة الباطن؛ فإن هذه المرتبة أقرب إلى حضرة الإطلاق واللاتعيين.
ومن المقامات المخصوصة بالنبي عليه السلام، وحقائق سائر الأنبياء عليهم السلام؛ أي وإن هذا من لا تثبت في هذا المقام. فإن عند الأمام الرباني:
أول المعاني الحق بحضرة اللاتعيين هو التعيّن الحبي. وقد قرر رضي الله عنه أن هذا التعيين الأول في الحقيقة المحمدية.
دائرة اللاتعيين وتوجهه وسيرها
وبعد هذا قد يتوجه المرشد في مرتبة اللاتعيين، وهذا المقام أيضاً من المقامات الخاصة بحضرة الرسالة، (صلعم) ولا يكون هنا السير القدمي، وأما السير النظري فلا بد من أن يكون، ولكن إلى أن يقع النظر.
دائرة السيف القاطح وسيرها
وبعد هذا يتوجه المرشد في دائرة السيف القاطع.
فاعلم أن هذه الدائرة وقعت حذاء دائرة الولاية الكبرى، ووجه تسميتها بهذا الإسم أن السالك إذا وضع قدمه في هذه فإنها تقطع وجوده مثل السيف القاطع، وتعدمه ولا تترك منه إسما ولا أثراً. ولهذا سمّوا بها .
دائرة القيوميّة وتوجهه وسيرها
وبعد هذا يتوجه المرشد إليه في دائرة القيوميّة. وهي ناشئة من دائرة كمالات أولي العزم. وسر ذلك:
إن القيوميّة منصب الأنبياء من أولي العزم، وخص الله بهذا المنصب العظيم في هذه الأمة حضرة المجددي وأولاده وخلفائه.
كما أن عبد الله الدهلوي قدس الله سره اتخذ هذا المقام فكان قيوم الزمان وقطب الدوران. فكل أحد تعلّق بهذه المشيئة الإلهية بهذا المنصب يخصّونه به. فلا حاجة له بالتوجه. فظهر في البيت أحوال وأسرار لا يستقيم انها باللسان، والتشوّف يفيض خاص من هذه الدائرة العالية الشأن، الذي قصر عن كيفية الأذهان.
دائرة حقيقة الصوم وسيرها
ويعد هذا قد يتوجه المرشد إليه في دائرة حقيقة الصوم التي وقعت حذاء حقيقة القرآن. فإذا ترحم وتفضّل المرشد بالتوجه في هذا المقام ورد على السالك الذرّة اللامقدارية أثار هذه الحقيقة العالية وأنوارها وعجائبها وأحوالها الخارجة عن التعقّل. وظهر له عدم خاص وأحمدية ذات اختصاص، وحصل له حظ وافر وبحر عميق وأسرار لا يمكن إظهارها.
وهذا بيان السلوك والمقامات لهذه الطريق منحها الله بلطفه العميق إلى السالك الصديق.
ولو صرف تمام عمره في شكر هذا الإحسان ولم يبق من نفسه إسماً ولا أثراً وجعل ذاته وشأنه كتراب الذل والهوان، لما أدى واحداً من ألف إلا بلطف المنان.
بل لو كان على كل شعرة لسان لا أدى شكر شيء.