الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

اللطائف العشرة والفناء والوحدة عند النقشبندية

اللطائف العشرة وأشخاصها و أربابها

وأما اللطائف فاعلم المجددي أمام الرباني واتباعه حققوا أن الإنسان مركب من عشرة لطائف: خمسة من عالم الأمر وخمسة من عالم الخلق.

فالخمسة الأول: القلب والروح والسر والخفي والأخفى.

والخمسة الأخر: لطيفة النفس، العناصر الأربعة، علم الأمر على ظهور بمجرد أمر كان، وعالم الخلق على ما خلق بالتدرج، ودائرة الإمكان تضمنه لهذين العالمين: نصفها السافل من العرش إلى الثرى، ونصفها العالي فوق العرش وهو عالم الأمر وعالم الخلق تحت العرش.

ولما خلق الله تعالى الهيكل الجسماني أودع هذه اللطائف الآمرة بمواضع مذكورة من جسم الإنسان بالتعلق والتعشق له.

وإذا اشتملت عناية الحق حال العبد يوصله إلى خدمة ولي من أوليائه، وذلك الولي يأمره بالرياضات والمجاهدات لتذكية الباطن وتصفيته، ويوجه لطائفه إلى أصوله بما فيها كثرة الاذ كار والأفكار، وفي هذه الطريق ثلاثة أشغال:

الأول: الذكر سواء إسم الذات والنفي والإثبات

الثاني: المراقبة وهي عبارة عن انتظار الفيض من البدا الفياض وملاحظ وروده على موروده، وهو لطيفة من لطائف السالك، وهذه اللطيفة يقال لها مورد الفيض، ولهذا عين لكل مقام مراقبة من المراقبات فعينوا لدائرة الإمكان مراقبة الأحدية وهي عبارة عن مراقبة الذات الجامعة بجميع صفات الكمال والمنزّه عن جميع النقصان. وهو مسمى الاسم المبارك: الله ، فيلاحظ ورود الفيض، من تلك الذات على لطيفة القلب، وفي بعض الأحيان يُشتغل بهذه المراقبات بلا ذكر، ولا يفيد الذكر بلا مراقبة.

الثالث: الرابطة وهي عبارة عن حفظ السالك صورة شيخه في مدركه وفي قلبه أو يتصور صورته بأنها صورة شيخه، فإذا عنيت الرابطة على السالك يرى صورة شيخه في كل شيء ويقولون لهذا: الفناء في الشيخ.

فالطريق الرابطة هي أقرب الطرق ومنشأ ظهور العجائب والغرائب، فالذكر وحده بلا رابطة وبلا فناء في الشيخ ليس موصولا، فالرابطة وحدها مع رعاية آداب الصحية فكافية في الإيصال.

الفناء والبقاء والواردات

وأما الفناء والبقاء والواردات فاعلم أن أكابر النقشبندية جعلوا أصل الفائدة في الجمعية والحضور وأنهم لا يمدون أيديهم إلى كل رطب ويابس، ولا يتوجهون إلى الصور والأشكال الغيبية ولا يعتبرون الكشف والأنوار، ويرغبون بحصول أمور أربعة: الجمعية والحضور والجذبات والواردات.

فالجذبات عبارة عن انجذاب اللطائف إلى جهة الفوق.

والواردات عبارة عن ورود حال من جهة الفوق على القلب بحيث لا يطيق تحمله إلا بتعسر ويقولون إن لهذه الواردات في هذه الطريقة الاعدام والوجودات، وهذا الوارد يرد على السالك في ابتداء حاله أحياناً بل يرد في شهر مرة بعد مرة، ثم يُكثر وروده فيرد في الأسبوع مرة، وفي كل يوم، بل في اليوم مرات إلى أن يصل من التواتر إلى التواصل، فيحصل اتصال الواردات، وهذا العدم الوجود هو الفناء والبقاء في جهة الجذبة.

لكن متى يتحقق فناء القلب زال من ساحة الصدر التعلق العلمي واللجوء إلى ما سواه، ولم يظهر خطورة السوى أصلاً.

وفناء القلب يصير في تجليات الأفعال الإلهية: يعني في رؤية أفعال ما سوى الحق أثار فعله تعالى، وإذا غليت هذه الرؤية على السالك يرى أيضاً صفات الممكنات وذواتها مظهر صفات الحق وذاته، ويترنم بالتوجيه الوجودي وهو عبارة عن رؤية وجود الممكنات أمواج وجوده، ويرى ذاته تموج في بحر وجود حضرة الحق. ويقول أرباب توحيد الوجود لهذه الطريقة: الفناء في الله.

وإذا استغرق السالك في هذا البحر لا يجد لبصيرته مشهوداً سوى البحر، وكلما نظر إلى كل جانب لا يرى غير البحر وأمواجه بل يجد ذاته قطرة من هذا البحر ويرتفع من نظره إيثار القطرة أيضاً لكمال الاستغراق.

وحدة الوجود والشهود والكشوف

وأما وحدة الوجود والشهود والكشوف فقال الإمام جعفر: إن الله تعالى أول الأول وآخر الأخر وأظهر الظاهر وأبطن الباطن، فسقطت هذه المعاني وبقي هو. وهذا معنى قولهم: التوحيد إسقاط الإضافات.

فاعلم أن التوحيد الوجودي هو الذوق والشوق والوارد و وضوح أسرار المعية والتاه والصحية والغيبة والإستغراق والرقص والسماع والوجد والتواجد. وكلها في سير لطيفة القلب: فإن سيرها أولاً في دائرة الإمكان.

ومن أحوال هذه الدائرة: الجذب والحضور والجمعية و الواردات وكشف الكوني وكشف الأرواح وكشف عالم المثل.

وسير عالم الملك وهو عبارة عن تحت الأفلاك.

وسير عالم الملكوت وهو عبارة عن عالم الملائكة والأرواح والجنة وما فوق السماوات وكلها داخلة في دائرة الإمكان، بل تشاهد أمثال هذه الشعبدات في نصفها السافل. ويقولون لهذا السير: الأفاقي بل كمال الحضور والجمعية والجذبات القوية: يحصل في الدائرة الثانية التي هي عيارة عن سير تجليات الأفعال الإلهية.

سير ظلال الأسماء والصفات وهي المسماة بدائرة الولاية الصغرى اضمحلال توجهه إلى الفوق وإحاطته بالجهات الست، وأن يرى معيته تعالى اللامثلية بالإدراك اللامثلي.

وينكشف أسرار التوحيد الوجودي ومنشأً ذلك أنه يظهر للسالك بسبب كثرة العبادات والمجاهدات» وترك المألوفات والمرغوبات ودوام الذكر والفكر، وغلبة العشق، والمحبة للمحبوب الحقيقي، وينجذب قلبه ويتوجه إلى جناب القدس، وهذ المجاهدات والترك إذا وقعت منه موافقة لأتباعه عليه السلام تصفي باطنه من علاقات السوء، وتخلى قلبه من وسخ الغفلة إلى حدّ يكون باطنه مرايا تعكس ضلال الأسماء والصفات الواجبية.

وحيث لم بر السالك العاشق المسكين محبوبه، وقد وصل إليه تعشقه بتصور الصفات، وعكوس الظلال عين المحبوب فيتكلم بالشطحيات، ويرى صورة محبوبه مرآة باطنه ويكون غائياً ومدهوشاً ويقع في سره خيال الوصال، ولا يفرق لغاية عطشه بين الظل والأصل، فلا جرم يتفوه ويجهر بالاتحاد والعينية.

و تصل غلبة هذه الرؤية عليه إلى حدّ يرتفع عن نظره، تعينه وتشخصه أيضاً ويقول جهراً: سبحاني وأنا الحق. وحيث ورد في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي يعاملونه بموافقة ظنه ولما فنى صاحب هذه الحالة عن نفسه وعن حظوظه فهو بعيد عن الطعن واللؤم. وداخل في زمرة الأولياء والمجذوبين للحق سبحانه.

واعلم أن التكلم بكلمات التوحيد ووحدة الوجود قبل وصول القلب إلى الدائرة الثانية التي هي مقام انكشاف التوحيد خلاف الشريعة. فتخيل العوام مراقبة التوحيد لا يزيدهم غير خسارة الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة مفيدة