الأحد، 24 نوفمبر 2024

فضل صيام رمضان

أيها الصائمون لكم من الله البشرى . ولقد مدحكم الله تعالى وخصكم بهذا الشهر العظيم الذى فيه الرحمة والعتق والكفارة وأجزل لكم الثواب بما تعملونه من صيامه وقيامه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لِكُلِّ شَيءٍ بَابٌ وَبَابُ الْعِبَادَةِ الصَّوْمُ) رواه ابن المبارك فى الزهد، أى لانه يصفى الذهن ويكون سببا لاشراق النور على القلب فينشرح الصدر للعبادة وتحصل الرغبة فيها .

وقال (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأْخَرَ) رواه الامام أحمد عن أبى هريرة . ففى هذا الحديث إخبار يتضمن بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين من أمته بأن صيام رمضان على وجه التصديق والاخلاص له سبب لمغفرة ما تقدم من ذنوب الصائمين وما تأخر .

وقال (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ وَتَحَفَّظَ مَا يَنْبَغي لَهُ أنْ يُتَحَفّظَ كَفّرَ مَا قَبْلَهُ) رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقى .

وقال (فإِذَا صامَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضانَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ إلى مِثْلِ ذَلكَ الْيَوْمٍ مِنْ شَهْر رَمَضَانَ واْسَتغفَرَ لَهُ كُلَّ يَوْم سَبْعُونَ أْلفَ مَلك مِنْ صَلَاَةِ اْلغَدَاةِ إلى أنْ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وَكَانَ لَهُ بَكُلّ سَجْدَة يَسْجُدُها فِى شَهْرٍ رَمَضَانَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاِ كِبِ فِي ظِلّهَا َخَمْسَمائةٍ عَامٍ) رواه البيهقى من حديث أبى سعيد مرفوعا .

وقال ( مَنْ صَامَ رَمَضانَ فِى إِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَذَ كَرَ اللهَ تَعَالَى وَحَرَّمَ حَرَامَهُ وَلَمْ يَرْتَكِبْ فِيهِ فَاِحِشَةً لَمْ يَنْسَلِخْ إِلاّ وَقَدْ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ كُلُهَا وَبُنِيّ َلهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ مِنْ زُمْرُذَةٍ فِى جَوْفٍ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِى جَوْف تِلْكَ الْيَاقُوتَةِ خَيْمَةٌ مِنْ دُرِّ مُجَوَّفٍ فِيهَا زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ اْلعينِ عَلَيْهَا سِوَارَانِ فِيهِمَا يَقُوتَةٍ حمرَاء تُضِىء لَهَا الْأَرْضُ) رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وهو صاحب نعل رسول الله وطهوره وسوا كه ، وقد بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقال رضيت لأمتى مارضى لها ابن أم معبد .

وقال (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَخْرُجُ الصَّائِمونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُعْرَفُونَ بِريح صِيَامِهِمْ وَأَفوَاهُهُمْ أَطْيَبُ مِنْ رِيح الْمِسْكِ فَيَلْقَوْنَ الْمَوَائِدَ وَالْأَّبَارِيقَ مُسْتندَة ، فَيُقَالُ لَهُمْ : كُلُوا فَقَدْ جُعْتُمْ وَاشْرَبُوا فَقَدْ عَطْشْتُمْ وَتمتعوا فَقَدْ عَيِيتُمْ فَيَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَالنّاسُ فى شِدَّةٍ وَعيًا) أى تعب أخرجه أبو الشيخ عن أنس .

وقال (إِنَّ فِى الْجَنّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ رَيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَائمونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَقُومُونَ فَيَدْخُلُونَ فَإِذَا دَخْلُوا مِنْهُ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ) رواه الشيخان .

وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ عبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِى سَبِيلِ اللهِ إلاّ بَاعَدَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبِعِينَ خَرِيفاً) متفق عليه.

وروى البخارى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله تعالى (كُلُّ عمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ) أى كل طاعة وخير اذا لم يكن رياء ونفاقا فأقل ما يعطى لصاحبه من الاجر عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف (إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى) أى خالص لى لا يقصد به غيرى لانه عبادة لايقع عليها حواس العباد فلا يعلمه الا الله، والصائم فصار الصوم عبادة بين العبد والرب فلذلك أضافه الى نفسه وجعل ثوابه بغير حساب لانه لا يتأدى الا بالصبر وقد قال تعالى ( إِنّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرٍ حِسَابٍ) والصبر ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله وصبر على محارم الله وصبر على الآلام والشدائد، وكلها توجد فى الصوم اذ فيه صبر على ما وجب على الصائم من الطاعات وصبر على ما حرم عليه من الشهوات وصبر على ما يصيبه من ألم الجوع وحرارة العطش وضعف البدن طلبا لرضا الله تعالى فلما كان فى الصوم هذه المعاني خصه الله تعالى بذاته ولم يكله الى الملائكة بل تولى جزاءه بنفسه فأعطى الصائم أجراً من عنده ليس له حد ولا عدد فقال (وأَنَا أَجْزِى بِهِ) يعنى أ کون له عن صومه على کرم الربوبية لا على استحقاق العبودية .

وقال أبو الحسن معنى قوله (وأنا أجزى به) كل طاعة ثوابها الجنة والصوم جزاؤه لقائى أنظر اليه وينظر اليّ ويكلمنى وأ كلمه بلا رسول ولا ترجمان ولله در من قال:

مَنْ كَانَ يَشْكُوا عظْمَ دَاءِ ذُنُوبِهِ فَلْيَأْتِ فِى رَمَضَانَ بَابَ َطَبيبِهِ
وَيَفُوز مِنْ عَرْفِ الصِّيَامِ بِطيِبِهِ أَوَلَيْسَ قَالَ اللهُ فِى تَرْغِيبِهِ
(الصَّوْمُ لى وَأْنَا الَّذِى أَجْزِى بِهِ)

ياصَائِمي رَمَضَانَ فَوْزًا بِالمُنَى فَتَمَتُّعوا نَيْلَ السَعادَةِ وَالْغِنَى
وَثِقُوا بِوَعْدِ اللهِ إِذْ فِيهِ الْهَنَا أَوَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ إِلَهِنَا
(الصَّوْمُ لى وَأَنَا الَّذِى أَجْزِى بِهِ)

مَنْ صَامَ نَالَ الْفَوْزَ مِنْ رَبِّ الْعُلا وَ بِوَجههِ أَضْحَى عَلَيْهِ مُقْبَلاَ
يامَنْ يَرُومُ تَوَاصَلاً وَتَوَسّلَا هِمْ رَغْبَةً فِى قَوْلِ رَب قَدْ عَلَاَ
(الصَّوْمُ لى وَأْنَا الَّذِى أَجْزِى بِهِ)

يَا فَوْزَ مَنْ لِلصَّوْمِ قامَ بحقِّهِ وَأَتَى بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَصِدْقِهِ
وَمِنَ الْجَحِيمِ نَجَا وَفازَ بعتْقِهِ فاللهُ قَالَ عَنِ الْصِيَامِ لِخَلْقِهِ
(الصَّوْمُ لِى وَأَنَا الَّذِى أَجْزِى بِهِ)

وقال غيره :

يامَعشرَ الصُّوَّامِ وَافَتْكُمُ الْبُشْرَى وَقَدْ نَشَرَ الْبَارِى بَمدْحِكُمُ ذِكْرَى
خُصِصْتُمْ بِشَهْرٍ فِيهِ عِتْقٌ وَرَحمَةٌ وَقَدْ أَجْزَلَ الرَّحْمَنُ لِلصَّائِم الْأَجْرَا
مَسَاجِدُهُ مَأْنُوسَةٌ بِتلاَوَةٍ وَكَانَتْ فِما قَبْلَهُ نَشتَكِى الْهَجْرا
وَللَّهِ فِىِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرَ لَيْلَةٌ لَقَدْ عَظُمَتْ قَدْرًا كَمَا ملئَتْ أجرًا
فَطُوَبِى لِقَوْمٍ أَدْرَكُوْهَا وَشَاهَدُوا تَنَزَّلَ أمْلاَكِ السَّمَا آيَةً كُبْرَى
وَفازُوا بِغُفْرَانِ الْإِلَهِ فَأَصْبَحُوا يُشَمُّ عَلَيْهِمْ مِنْ شَذَا عَرْفِهَا عِطْرًا

(وَالِصِيَامُ جُنَّةٌ) بضم الجيم الترس وإنما جعل الصوم ترساً لان الصائم يستتر به عن النار لكثرة ثوابه ويتحفظ عن المعاصى ووسوسة الشيطان فكما أنه لا يكمل الانتفاع بالترس الا اذا كان محكما ، كذلك الصوم لا يتحقق به التستر الا اذا كان محفوظا من المعاصى قولا وفعلا. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث (وَإِذَا كَانَ صَوْمُ يَوْمٍ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَزْفُثُ وَلاَ يَصْخَبُ) أى فلا يفحش فى الكلام ولا يصيح ولا يخاصم ، فيجب على الصائم عند الخصومة أن لا يتكلم بالفحش ولا يرفع صوته بالهذيان بل بلزمه أن يكون ممسكا عن جميع المناهى لا من الطعام والشراب فقط (فَإِنْ سَابَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ) أى تهيأْ أحد لمشاتمته أو مقاتلته (فَلْيَقُلْ إِنى أمْرُؤٌ صَائِمٌ) أى بقلبه بأن يتفكر فى كونه صائما لترتدع نفسه عن سيئ القول ويقوى على كظم الغيظ وليقل أيضاً بلسانه مسمعا شاتمه بنية وعظه ودفعه بالتى هى أحسن ولا يكافئه على شتيمته لئلا يحبط نواب صومه (وَالّذِى نَفْسُ مُحَمَّد بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيح الْمسْكِ) أى أقسم صلى الله عليه وسلم بالله أن رائحة فم الصائم عند الله أحب من ريح المسك حيث كانت ناشئة عن طاعته ولما كان للصائم أثر رائحة كريهة فى الدنيا جعلها فى الآخرة أطيب من ريح المسك ويشتهر أهل الصيام بذلك بين الناس لما روى عن أنس مرفوعا (إِنَّ الصَّائِمينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُعْرَفُونَ بِريحٍ أَفْوَاهِهِمْ فإِنَّ رِيحَ أفْوَاهِهِمْ أَطيَبُ مِنّ رِيح الْمسْكِ لِلصَّائم فَرْحَتَانِ يَفْرَحُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ) لتناوله المأَكل والمشرب (وَإِذَ لَقِىَ رَبَّه فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخارى ومسلم والنسائى أى بما يجده من ثواب الصوم مدخراً عند الله تعالى.

فانّ من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يعوضه الله خيرًا من ذلك كما قال تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لاَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا).

وروى عن ابن مسعود انه قال (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأْرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا أعْطَاهُ اللهُ كِتَابَهُ جَهْرًا وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ سِرًّا حتى لاَ يَفْضَحَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ فَيَقْرَأ كِتَابَهُ سِرًّا فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ إلهِنَا هَذِهِ عِنَايةٌ لَمْ تَسْبِقْ لِاَحَدٍ مِنَ الْعُصَاةِ وَقَدْ أَوْعَدْتَ مَنْ عَصَاكَ أَنْ تَعذِّبَهُ وَتَحْرِقَهُ بِالنارِ فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَا مَلاَئِكَتِى إِنّى أحْرَقْتُهُ فى الدُّنْيَا بِنَارِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فِى الْحَرِّ الشَّدِيدِ فِى شَهْرٍ رَمَضَانَ فَلَاَ أَخْرِقُهُ الْيَوْمَ بِالنّيرَانِ وَقَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ وَأْنَا الْكَرِيمُ الْمَنَانُ).

وقال صلى اللّه عليه وسلم (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيامُ أَىْ رَبِ مَنَعْتُهُ مِنَ الطّعَامِ وَالشَّهوَةِ فَشَفعنى فِيهِ وَ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعَتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفعْنِى فِيهِ فَيَشْفَعَانٍ) رواه الامام أحمد والحاكم.

وقال (نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ وَصَمْتُه تَسِبِيحٌ وَدُعَاوُّهُ مُسْتَجَابٌ وَعَملُهُ مُضَاعَفٌ وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ) رواه البيهقى والديلى وابن النجار .

وروى عن كعب الأحبار قال قال الله تعالى لموسى ( ياموسى بن عمران انى آمر حملة العرش وحملة الكرسى أن يمسكوا عن العبادة اذا دخل شهر رمضان وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يقولوا كلما دعا الصائم له آمين فانى آليت على نفسى أن لا أرد دعوة صائم رمضان) .

وعن وهب بن منبه أنه قال لما أنزل الله التوراة على موسى قال يارب (انى أجد فى الألواح أمة يصومون لك شهراً فتغفر لهم كل ذنب ارتكبوه فى تلك السنة وتعتق منهم كل يوم ستمائة ألف عتيق فاذا كان فى آخر أيامه أعتقت بقدر ما أعتقت فى جميع الشهر ولهم عند افطارهم دعوة مستجابة فاجعلهم أمتى) قال الله عز وجل (هم أمة محمد) صلى الله عليه وسلم .

مقالات ذات صلة مفيدة